جعفر عبد الكريم الخابوري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

صحيفة نبض الشعب الاسبوعيه رئيس التحرير جعفر الخابوري

اذهب الى الأسفل

صحيفة نبض الشعب الاسبوعيه رئيس التحرير جعفر الخابوري  Empty صحيفة نبض الشعب الاسبوعيه رئيس التحرير جعفر الخابوري

مُساهمة من طرف جعفر الخابوري الإثنين أغسطس 07, 2023 9:37 am

اليتيمان قصة واقعية مؤثرة جدا كاملة
اليتيمان (قصة واقعية حدثت في سوريا)
أحسَّ ماجد أنه لم يفهم شيئاً مما يقرأ، وأن عينيه تُبصران الحروف وتَرَيان الكلمات ولكن عقله لا يُدرك معناها؛ إنه لا يفكر في الدرس، وإنما يفكر في هذه المجرمة التي نغَّصت حياته وحياة أخته المسكينة وجعلتها جحيم متسعر؛ ونظر في الجدول فإذا بينه وبين الامتحان أسبوع واحد، ولابد له من القراءة والاستعداد، فكيف يقرأ وكيف يستعد؟ وأنَّى له الهدوء والاستقرار في هذا البيت، وهذه المرأة تطارده وتؤذيه ولا تدعه يستريح لحظة، وإذا هي كفَّت عنه انصرفت إلى أخته تصب عليها ويلاتها؟ هل يرضى لنفسه أن يرسب في أول سنة من الثانوية وقد كان في الابتدائي والمتوسط الأول بين رفاقه؟ وفي أثناء تفكيره سمع صوت المجرمة، لقد سمع سبِّها وشتمها، وصوت يدها وهي تقع على وجه الطفلة البريئة، فلم يستطع الجلوس ولم يكن يقدر أن يقوم لحمايتها خوفاً من أبيه؛ من هذا الرجل الذي حالف امرأته الجديدة وعاونها على حرب هذه المسكينة وتجريعها غصص الحياة قبل أن تدرك ما الحياة، فوقف ينظر من النافذة فرأى أخته مستندة إلى الجدار تبکي منکسرة حزينة، وكانت مُصفَرَّة الوجه بالية الثوب، وإلى جانبها أختها الصغرى، طافحة الوجه صحة، بارقة العينين، مزهوَّة بثيابها الغالية، فشعر بقلبه يقفز إلى عينيه ويسيل دموعاً، ما ذنب هذه الطفلة حتى تُسام كل هذا العذاب؟ أما كانت فرحة أبيها وزينة حياته؟ أما كانت أعز إنسان عليه؟ فما لها الآن صارت ذليلة بغيضة لا تسمع في هذا البيت إلا السب والشتم والتوببخ، أمَّا التدليل فلأختها التي تصغرها سنتين وكأنما هي البنت الوحيدة، على حين قد صارت هي خادمة في بيت أبيها، بل هي شر من الخادمة؛ فالخادمة قد تلقى أناساً لهم قلوب يعاملونها كأولادهم، وأبوها هي لم يبقَ في صدره قلب ليكون في قلبه شرف يدفعه أن يعامل ابنته ابنة صلبه معاملة الخادمة المدللة، لقد كتب اللّٰه على هذه الطفلة أن تكون يتيمة الأبوين؛ إذ ماتت أمها فلم يبقَ لها أم، ومات ضمير أبيها فلم يبقَ لها أب! وسمع صوت خالته تناديها: "تعالي يا خنزيرة" وكان هذا هو اسمها عندها (الخنزيرة) لم تكن تناديها إلا به، فإذا جاء أبوها المساء فتناديها "تعالي يا بنت، روحي يا بنت" أما أختها "فين إنتِ يا حبيبتي؟ تعالي يا عيني" وعاد الصوت يزمجر في الدار: "ألا تسمعين أختك تبكي؟ انظري الذي تريده فهاتیه لها، هل أنتِ خرساء؟ قولي ماذا تريد؟" فأجابت المسكينة بصوت خائف: "إنها تريد الشكولاته"، "ولماذا تبقين واقفة مثل الدبة؟ اذهبي فأعطيها ما تريد"، فوقفت المسكينة ولم تدري کیف تُبين لها أن القطعة الباقية هي لها، لقد اشترى أبوها البارحة لوحاً من الشكولاته أعطاه لابنته الصغيرة فأكلته وأختها تنظر إليها، فتضايقت من نظراتها فرمت إليها بقطعة منه كما يرمي الإنسان اللقمة للقطة، وأخذت المسكينة القطعة فرحة، ولم تجرؤ أن تأكلها أمامها فخبأتها، وصارت تذهب إليها كل ساعة فتراها وتطمئن عليها، وغلبتها شهوتها مرة فقضمت منها قضمة بطرف أسنانها، فرأتها أختها المدللة فبكت تريد الشكولاته؛ "يا حيوانة فين الشكولاته؟" فسكتت، ولكن الصغرى قالت: "هناك يا ماما عندها، أخذتها الحيوانة مني" واستاقت المرأة ابنة زوجها كما يُساق المتهم إلى التحقيق، فلما ضُبطت متلبسة بالجرم المشهود، ورأت خالتها الشكولاته معها، حلَّ بها البلاء الأعظم... "يا سارقة يا شيطانة، هكذا علمتك أمك، تسرقين ما ليس لك؟" وكان ماجد يتحمل كل شيء إلا الإساءة إلى ذكرى أمه، فلما سمعها تذكرها لم يتمالك نفسه أن صاح بها: "أنا لا أسمح لكِ أن تتكلمي عن أمي"، "لا تسمح لي؟! أرجوك يا سعادة البك اسمح لي، آه! ألا يكفي أني أتعب لأقدم لكَ طعامك وأقوم على خدمتك، وأنت لا تنفع لشيء إلا الكتابة في هذا الدفتر الأسود؟ لقد ضاع تعبي معك أيها اللئيم، ولكن ليس بعجيب فأنت ابن أمك"، "قلت لكِ كُفِّي عن ذكر أمي وإلا أسكتُّك" واقترب منها، فصرخت الخبيثة وولولت وأسمعت الجيران: " تريد أن تضربني یا خاین؟ یا منكر الجميل، يا ناس، یا عالم، الحقوني" وجمعت الجيران، وتسلل ماجد إلى الزاوية التي سموها غرفة وخصوه بها؛ ودخل الأب المساء، وكان عابساً على عادته لا يبتسم في وجوه أولاده لئلا يجترئوا عليه فتسوء تربيتهم وتفسد اخلاقهم، ولم يكن كذلك من قبل، ولكنه استن لنفسه هذه السنة من يوم حضرت إلى الدار هذه الأفعى وصبّت سمها في جسمه ووضعت في ذهنه أن ماجد وأخته ولدان مدللان فاسدان لا يصلح لهما إلا الشدة والقسوة؛ وكانت الخبيثة إذا دنا موعد رجوعه إلى الدار تخلع ثيابها وتلبس ثياباً جديدة، كما تخلع عنها ذلك الوجه الشيطاني وتلبس وجه فيه سمات الطهر والطفولة، ولا تنسى أن تُنظف البنتين وتلبسها ثياباً متشابهة، لكيلا يشعر الأب بأنها تُفضل ابنتها على ابنته؛ دخل الأب فاستقبلته استقبال المحبة الجميلة المخلصة، ولكنها وضعت على وجهها لون من الألم البريء تبدو كأنها المظلومة المسكينة، ولحقته إلى غرفة النوم لتساعده على إبدال ملابسه، وهناك روت له القصة مكذوبة..
فملأت صدره غضباً وحنقاً على أولاده، فخرج وهو لا يُبصر ما أمامه، ودعا بالبنت فجاءت خائفة تمشي مشية المسوق إلى الموت، ووقفت أمامه كأنها الحمل المهزول بين يدي النمر، فجلس على كرسي عالٍ وأوقفها أمامه، وأفهمها قبح السرقة وعنَّفها وزجرها، وهو ينظر إلى ولده ماجد نظرات متوعد منذر بالشر، ولم يستطع ماجد السكوت وهو يسمع اتهام أخته بالسرقة وهي بريئة منها، فأقبل على أبيه يريد أن يشرح له الأمر، فتعجل الشر على نفسه؛ انفجر البركان وزُلزلت الدار، وأرعد فيها صوت الأب المغضب المهتاج: "تريد أن تضرب خالتك يا قليل الحياء، یا معدوم التربية، حسبت أنك إذ بلغت الرابعة عشرة قد صرت رجلاً وهل يضرب الرجل خالته؟ سوف أكسر يدك يا شقي"، "واللّٰه يا بابا مو صحيح..."، "ووقاحة أيضاً؟ أما بقي عندك أدب؟ أتُكَذّب خالتك؟"، "أنا لا أُكَذبها، ولكنها تقول أشياء ليست صحيحة"؛ عند ذلك وثب الأب وانحطَّ بقوته على الغلام وأقبل يضربه ضرب مجنون ذاهب الرشد، ولم يشفِ غيظ نفسه، فأخذ دفتره الأسود الذي أودعه دروسه كلها فمزقه تمزيقاً، ثم ترکه هو وأخته بلا عشاء عقوبة لهما؛ تعشى الزوجان وابنتهما وأويا إلى غرفتهما، والغلام جاثم مكانه ينظر إلى قطع الدفتر الذي أفنى فيه لياليه وعافَ لأجله طعامه ومنامه، والذي وضع فيه نور عينيه وربيع عمره وبنى عليه أمله ومستقبله، ثم قام يجمع قطعه كما تجمع الأم أشلاء ولدها، فإذا هي آلاف لا سبيل إلى جمعها ولا تعود دفتراً يقرأ فيه إلا إذا عادت هذه الأشلاء بشراً سوياً يتكلم ويمشي، فأيقن أنه قد رسب في الامتحان وقد أضاع مستقبله، ولم تعد أعصابه تحتمل هذا الظلم، وأحس كأن الدنيا تدور به، وزاغ بصره، وجعلت أيامه تكِرّ راجعة أمام عينيه كما يكر فيلم السينما؛ رأى ذلك الوجه الحبيب، وجه أمه وابتسامتها التي كانت تُنسيه آلام الدنيا، وصدرها الذي كان يفزع إليه من خطوب الدهر، رآها في صحتها وشبابها، ورأى البيت وما فيه إلا السلم والهدوء والحب، ورأى أباه أباً حقيقياً تفيض روح الأبوَّة من عينيه الحانيتين ولسانه الرطب بكل جميل من القول محبب من الكلام؛ ويَكِّر الفلم، ويرى أمه مريضة فلا يهتم بمرضها ويحسبه مرضاً عارضاً، ثم يرى الدار والاضطراب ظاهر فيها، والحزن بادٍ على وجوه أهلها، ويسمع البكاء والنحيب، ويجدهم يبتعدون به ويخفون النبأ عنه، ولكنه يفهم أن أمه قد ماتت...ماتت؟ إنها كلمة تمر عليه مراً هيناً فلا يأبه لها، وكان قد سمع بالموت وقرأ عنه في الكتب، ولكنه لم يره من قريب ولم يدخل داره ولم يذقه في حبيب ولا نسيب، غير أن الأيام سرعان ما علَّمته ما هو الموت حین صحا صبيحة الغد على بكاء أخته الحلوة المحببة إلى أمها، والتي كانت محببة تلك الأيام إلى أبيها، ففتح عينيه وطفق الولد ينادي: "ماما..." ثم نهض من فراشه وقام يبحث عنها، فوجد أباه وجمعاً من قريباته يبكون هم أيضاً، فسألهم أين أمه، فلم يجيبوه، وحين أراد الذهاب إلى المدرسة ناداها فلم تأتِ لتُعِد له حقيبته وتلبسه ثيابه، ولم تقف لوداعه وراء الباب وتوصيه ألا يخاصم أحداً وألا يلعب في الأزقة، ثم إذا ابتعد أعادت تناديه لتقبله وتوصيته، وحين عاد من المدرسة وجد امرأة غريبة ترضع أخته، لماذا ترضعها امرأة غريبة؟ وأين ماما؟! ويكِر الفلم، ويرى أباه رفیقاً به حانياً عليه يحاول أن يكون له ولأخته أماً وأباً، ولكن هذا الأب تبدل من ذلك اليوم المشؤوم، يوم قال له أبوه: "ستأتيك يا ماجد أم جديدة"... أم جديدة؟ هذا شيء لم يسمع به! إنه يعرف كيف تجيء أخت جديدة إن أمه تلدها من بطنها، أما هذه الأم فمن أين تولد؟! وانتظر... وجاءت الأم الجديدة، وكانت حلوة، وثيابها جميلة، وخدودها بلون الشفق، وشفاهها حمر لیست کشفاه الناس، وعجب من لون شفاهها ولكنه لم يحبها، وكانت في أيامها الأولى رقيقة لطيفة، كالغرسة الصغيرة، فلما مرَّت الأيام واستقرت في الأرض، مدَّت فيها جذورها كجذع الشجرة، ولمَّا ولدت هذه البنت انقلبت شیطانة على صورة أفعی مختبئة في جلد امرأة جميلة؛ وانطمست صورة الماضي الحبيب، واضمحل الفلم ولم يبقَ منه إلا هذه الصورة البشعة المقيتة، ورآها تكبر وتعظم حتى أحاطت به وملأت حياته وحجبت عنه ضياء الذكرى ونور الأمل؛ وسمع قهقهة، فانتفض وأحس كأن رنينها طلقات قد سقط رصاصه في فؤاده، وكانت قهقهة هذه المرأة التي أخذت مكان أمه يتخللها صليل ضحك أبيه، وأنصت فإذا هو يسمع بكاءً خافتاً حزيناِ مستمراً، فتذكر أخته التي نسيها وتذكر بأن المسكينة قد باتت بلا عشاء، ولعلها قد بقيت بلا غداء أيضاً، فإن هذه المجرمة تشغلها النهار كله بخدمتها وخدمة ابنتها وتقفل دونها غرفة الطعام فلا تعطيها إلا كسرة من الخبز، وتذهب فتطعم ابنتها خفية، فإذا جاء الأب العشية ولبست أمامه وجهها البرئ شكت إليه مرض البنت وضعفها: "مسكينة هذه البنت، إنها لا تتغذى، انظر إلى جسمها، ألا تريها لطبيب؟ ولكن ماذا يصنع لها الطبيب؟ إنها عنيدة سيئة الخلق، أدعوها للطعام فلا تأكل، وعنادها سيقضي على صحتها"..
فيناديها أبوها ويقول لها: "ما هذا العناد؟ کلي وإلا كسرت رأسك" فتتقدم لتأكل، فترى المرأة تنظر إليها من وراء أبيها نظرة الوعيد، وترى وجهها قد انقلب حتى صار كوجه الضبع، فتخاف وترتبك، فتقول المرأة لزوجها:" ألم أقل لك؟ إنها عنيدة تحتاج إلى تربية" فيهز رأسه، ويكتفي من تربيتها بضربها على وجهها وأذنها وطردها من الغرفة، ويكون ذلك عشاءها كل عشية، تذكّر ماجد أخته فقام إليها فرفعها وضمها إلى صدره: "مابكِ؟ لماذا تبكين؟ اسكتي يا حبيبتي"
- "جوعانة" جوعانة؟ من أين يأتيها بالطعام؟ وقام يفتش، فأسعده الحظ فوجد باب غرفة الطعام مفتوحة، ووجد أعلى المائدة بقايا العشاء فحملها إليها، فأكلتها فرحة بها مقبلة عليها، كأنها لم تكن من قبل الابنة المدللة المحبوبة التي لا يرد لها طلب ولا يخيب لها رجاء، وآلمه أن يراها تفرح إذا أكلت بقايا أختها وأبيها يسرقها لها سرقة من غرفة الطعام، وعادت صور الماضي فتدفقت على نفسه وطغت عليها، ورجعت صورة أمه فتمثلت له، وسمعها تناديه...، نسيَ دفتره الممزق ومستقبله الضائع وحياته المُرَّة، وطفق يصغي إلى نداء الماضي في أذنيه... إلى صوت أمه، "قومي يا حبيبتي، ألا تسمعين صوت أمك؟ تعالي نروح عند ماما" فأجفلت البنت وارتاعت، لأنها لم تكن تعرف لها أماً إلا هذه المرأة المجرمة، وخافت منها وأبت أن تذهب إليها، لقد كان من جناية هذه المرأة أنها شوَّهت في نفس الطفلة أجمل صورة عرفها الإنسان (صورة الأم)، "تعالي نروح عند ماما الحلوة، إنها هناك في مكان جميل، في الجنة، ألا تسمعین صوتها؟" وحملها بين يديه، وفتح الباب ومضى بها، نحو هذا الصوت، إلى المكان الذي فيه أمه.
وقرأ الناس في الجرائد ضحى الغد أن الشرطة وجدوا في المقبرة طفلة هزيلة في السادسة من عمرها وولد في الرابعة عشرة، وقد حُمِلا إلى المستشفى لأن البنت مشرفة على الموت قد نال منها الجوع والبرد والفزع ولا يمكن أن تنجو إلا بأعجوبة، أما الغلام فهو يهذي بسبب الحمَّى، يذكر الامتحان، والدفتر الأسود، وأمه التي تناديه، والمرأة التي تشبه الأفعی..

#تابع_حسابي_عبود_سيلفر_لتصلك_اجمل_القصص_الواقعية
جعفر الخابوري
جعفر الخابوري
Admin

المساهمات : 159
تاريخ التسجيل : 09/03/2022

https://fjggggvbbbh.ahlamontada.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى